كلمة السيد رئيس الحكومة الدكتور سعد الدين العثماني بمناسبة اللقاء الدراسي حول "مدونة الشغل: بين النص القانوني والتطبيق الفعلي"

2_2.jpeg

بسم الله الرحمان الرحيم 
والصلاة والسلام على نبي الهدى وأشرف المرسلين
السيد وزير الشغل والإدماج المهني؛
السيد رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب؛
السادة الأمناء والكتاب العامون للمركزيات النقابية؛
السيد رئيس الكنفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية؛
أيها الحضور الكريم.
يطيب لي بهذه المناسبة وأنا أترأس أشغال الجلسة الافتتاحية لهذا اليوم الدراسي العلمي، أن أتقدم لكم، في البداية، ومن خلالكم إلى كافة مكونات الشعب المغربي، بمتمنياتي الصادقة بموفور الصحة والعافية، راجين من الله العلي القدير أن يرفع عنا هذا الوباء، مبتهلين إليه تعالى أن يتغمد الموتى بالرحمة والمغفرة والثواب وأن يسكنهم فسيح الجنان، وأن يعجل بشفاء من أصيب من إخواننا وأخواتنا بداء كورونا كوفيد19.
لقد فرضت الاحتياطات الاحترازية تنظيم هذا اليوم الدراسي بهذا العدد المحدود من الأشخاص الحاضرين، بدل حضور كافة الفعاليات، علما بأن أهمية الموضوع لا تخفى على أحد، سيما وأنه يتناول بالدرس والمناقشة قانونا يحظى باهتمام مختلف مؤسسات الدولة وشرائح المجتمع المغربي؛ وهو الإطار المنظم لعلاقات الشغل الفردية والجماعية، إذ يُعتبَر الحجر الأساس لجعل بلادنا ترتقي سلم التطور والازدهار الحقوقي، وذلك لارتباطه الوثيق بالحقوق الأساسية في العمل بصفة خاصة، وحقوق الإنسان بصفة عامة، وذلك من خلال ملامسته لقضايا ذات أولوية بالنسبة لطرفي العلاقة الشغلية.
كما أن مدارسة هذا الموضوع، ازدادت راهنية وملحاحية، بالنظر للانعكاسات الاجتماعية والاقتصادية لجائحة كورونا، مما يضعنا أمام تحديات مضاعفة. من جهة، يجب علينا حماية حقوق الشغيلة والتحفيز على إحداث مناصب الشغل والعمل على الحفاظ عليها وتجويدها، ومن جهة أخرى يجب ضمان حقوق المشغلين وتوفير ظروف مواتية للاستثمار ولرفع الإنتاجية والمردودية.
إن الإطار المنظم لعلاقات الشغل هو أيضا المرآة التي تعكس مدى استجابة بلادنا لالتزاماتها الدولية في مجال الشغل والتشغيل ولأهداف التنمية البشرية وممارسة أنشطة الأعمال أو ما يطلق عليه باللغة الإنجليزية Doing Business.
ولا تفوتني هاته المناسبة دون استحضار مقتطف من خطاب صاحب الجلالة أيده الله ونصره بمناسبة ترؤس جلالته لافتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية العاشرة والذي جاء فيه: "إن الاختلالات التي يعاني منها تدبير الشأن العام ليست قدرا محتوما. كما أن تجاوزها ليس أمرا مستحيلا، إذا ما توفرت الإرادة الصادقة وحسن استثمار الوسائل المتاحة.
وهذا الأمر من اختصاصكم، برلمانا وحكومة ومنتخبين. فأنتم مسؤولون أمام الله، وأمام الشعب وأمام الملك عن الوضع الذي تعرفه البلاد.
وأنتم مطالبون بالانخراط في الجهود الوطنية، بكل صدق ومسؤولية، لتغيير هذا الوضع، بعيدا عن أي اعتبارات سياسوية أو حزبية. فالوطن للجميع، ومن حق كل المغاربة أن يستفيدوا من التقدم، ومن ثمار النمو". انتهى المقتطف من خطاب جلالته.
حضرات السيدات والسادة؛
إن اجتماعنا اليوم ما هو إلا تكريس لروح التشاور وترسيخ للمقاربة التشاركية التي تعتمدها هذه الحكومة في كل مبادراتها الهادفة إلى تحقيق العدالة الاجتماعية بكل تمظهراتها وتجلياتها، وإن الحكومة لشديدة الحرص على الحوار والتفاوض مع شركائها الاجتماعيين والاقتصاديين في كل ما له ارتباط بقضايا الشغل. 
ويكفينا فخرا، جميعا، أن جلسات الحوار الاجتماعي توجناها بالتوقيع على اتفاق اجتماعي ثلاثي برسم سنوات 2019-2021، انكبت الحكومة على تنزيل مجمل الالتزامات الواردة فيه، كما أن لقاءنا اليوم يبرهن على مدى جدية هذه الحكومة في الالتزام بما تم تسطيره في برنامجها الحكومي أو في الاتفاق سالف الذكر، وذلك تماشيا مع التوجيهات الملكية السامية الداعية، للانخراط في الجهود الوطنية بكل صدق ومسؤولية، لتغيير أوضاعنا نحو الأفضل.
إن إصلاح مدونة الشغل، بما لها من آثار كبيرة على فئات واسعة في المجتمع، وبمصالح متباينة في بعض الأحيان، وبما يفرضه هذا الإصلاح من تعدد الفاعلين والمتدخلين، رهين باعتماد مقاربة وطنية، تشاركية وتشاورية مُدْمِجة، تستحضر المصلحة العليا للوطن، ويتحلى كافة أطرافها بمستوى عال من التجرد والتضحية. 
حضرات السيدات والسادة؛
إن التزامات المغرب الدولية والتطورات التي يعرفها عالم الشغل والتقلبات العالمية المفاجئة تدفعنا للتساؤل عن مدى قدرة ترسانتنا القانونية الوطنية على الاستجابة لتلك الالتزامات والتطورات، خصوصا في ظل الوضع الراهن، والجواب كان واضحا من خلال ما لامسناه من وجود خصاص تشريعي في عدة مستويات منها الاقتصادية والاجتماعية والصحية، مما اضطرت معه الحكومة إلى استصدار مجموعة من القوانين والمراسيم بهدف سد تلك الفراغات، والتفاعل مع تلك المتغيرات الطارئة.
وإذا كانت الحكومة حريصة على سن قوانين جديدة أو تطويرها وتحيينها، فإننا جميعا مدعوون، قبل ذلك، إلى الوقوف على مدى التطبيق الفعلي لمدونة الشغل، والعمل على تجاوز الصعوبات التي تعترض ذلك.
وعليه، فالتشريع كيفما كانت نسبة تطوره ومستواه يصبح، مع مرور الزمن، متجاوزا، الأمر الذي يستدعي القيام بتقييم علمي وموضوعي من قبل الممارسين والباحثين المختصين، من مختلف الهيآت الوطنية، وذلك من أجل الوقوف، بصفة دقيقة، وبكل تجرد، على قدرة أي تشريع على مواكبة المستجدات الطارئة في الموضوع.
وهو المنحى الذي تسير عليه العديد من الهيآت الدولية المختصة كمنظمة الصحة العالمية، والمنظمة العالمية للتجارة، ومنظمة العمل الدولية من خلال البحث عن السبل الكفيلة بتطوير مواثيقها ومعاهداتها الدولية، إذ قد يصل الأمر إلى إلغاء بعض المعايير التي تم سنها سابقا والتي لم تعد ملائمة للتطور التكنولوجي والبيئي والاقتصادي.
حضرات السيدات والسادة؛
قبل الختام، أود أن أتقدم بالشكر للشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين ولرجال القضاء والباحثين والمفكرين ولممثلي كل المؤسسات والهيآت الحاضرة على انخراطهم في هذه المبادرة الهادفة إلى تعزيز بناء دولة الحق والقانون.
وفقنا الله لما فيه خير بلادنا تحت القيادة السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس أيده الله ونصره. وأتمنى لأشغال هذا اليوم الدراسي النجاح والتوفيق، 
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
 

النشرة الإخبارية