كلمة رئيس الحكومة بمناسبة افتتاح الملتقى البرلماني الرابع للعدالة الاجتماعية

افتتاح الملتقى البرلماني الرابع للعدالة الاجتماعية في موضوع "الحماية الاجتماعية ورهانات الحكامة والاستدامة"
افتتاح الملتقى البرلماني الرابع للعدالة الاجتماعية في موضوع "الحماية الاجتماعية ورهانات الحكامة والاستدامة"
افتتاح الملتقى البرلماني الرابع للعدالة الاجتماعية في موضوع "الحماية الاجتماعية ورهانات الحكامة والاستدامة"
افتتاح الملتقى البرلماني الرابع للعدالة الاجتماعية في موضوع "الحماية الاجتماعية ورهانات الحكامة والاستدامة"

بســم الله الرحمــــان الرحيـــم
والصـلاة والســلام على سيدنــا محمد وعلى آله وصحبـه 

السيد رئيس مجلس المستشارين،
السيد رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي؛
السيدة رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان؛
السيدة رئيسة الاتحاد البرلماني الدولي.
حضرات السيدات والسادة،
إنه لمن دواعي سروري أن أحضر معكم اليوم في هذه الجلسة الافتتاحية لأشغال الملتقى البرلماني الرابع للعدالة الاجتماعية المنظم هذه السنة تحت عنوان "الحماية الاجتماعية ورهانات الحكامة والاستدامة".
حضرات السيدات والسادة،
تعتبر الحماية الاجتماعية من بين أهم المجالات التي حظيت باهتمام خاص في البرنامج الحكومي، لكونها إحدى أهم الآليات المعتمدة للوقاية والحد من مختلف أشكال الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية والارتقاء بالظروف المعيشية للمواطنات والمواطنين وتعزيز الحقوق الاجتماعية والحفاظ على التماسك الاجتماعي، على اعتبار أن  ضمان الحماية الاجتماعية حق من حقوق الإنسان، ولقد تمكنت بلادنا بفضل مجموعة من البرامج من مواصلة الجهود في أفق تحسين الحماية الاجتماعية وشبكات العمل الاجتماعي، ودليل هذا التحسن الملحوظ فترة بعد فترة ومرحلة بعد مرحلة، تحقيق التقليص من الفقر والحد من الهشاشة، لكن رغم الجهود المبذولة، مازالت هناك عدة انتظارات. 
وكما تعلمون، فقد بذلت الحكومات المتعاقبة في المملكة المغربية، وخصوصا في السنوات الأخيرة، مجهودات مهمة في هذا المجال، مكنت تدريجيا من إرساء منظومة متنوعة للحماية الاجتماعية، سواء من حيث طبيعة البرامج والمبادرات والإجراءات المتخذة أو من حيث المجالات أو الشرائح الاجتماعية المستهدفة، وتغطي غالبية المخاطر الاجتماعية. 
تتألف هذه المنظومة، كما هو الشأن في العديد من بلدان العالم، من فرعين: فرع قائم على مبادئ وتقنيات التأمين الاجتماعي والذي يضم أساسا مختلف صناديق التقاعد، والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي؛ وفرع قائم على مبادئ المساعدة الاجتماعية والتضامن الوطني لفائدة الفئات المعوزة، ويضم مجموعة من البرامج العمومية الموجهة للفئات الهشة كنظام المساعدة الطبية (راميد)، وبرنامج مكافحة الهدر المدرسي (تيسير)، وبرنامج الدعم المباشر للنساء الأرامل في وضعية هشة الحاضنات لأطفالهن اليتامى، ومؤسسات الرعاية الاجتماعية، وغيرها من برامج الدعم الاجتماعي التي تعد بالعشرات.
وقد تمكنت بلادنا بفضل هذه الترسانة من البرامج وشبكات الأمان الاجتماعي، من تحقيق العديد من المكتسبات الاجتماعية، من قبيل تحسين نسبة التغطية الصحية الأساسية التي تجاوزت   60%، وتخفيض نسبة وفيات الأمهات عند الولادة التي انخفضت من 332 وفاة لكل 100 ألف ولادة حية في بداية التسعينيات من القرن الماضي إلى 72.6 وفاة عام 2017، والحد من وفيات الأطفال أقل من خمس سنوات التي انخفضت من 84 وفاة من كل ألف ولادة حية إلى 22 في الألف، وتعميم التمدرس في المستوى الابتدائي والحد من الهدر المدرسي وتخفيض نسبة الأمية، وغيرها من المجالات الاجتماعية.
لكن، ورغم كل المجهودات المبذولة وهذه النتائج الإيجابية، فإن المنظومة الوطنية للحماية الاجتماعية لا زالت تعتريها نواقص وتواجهها الكثير من التحديات التي تجعلها لا تستجيب بالشكل المطلوب لاحتياجات وتطلعات المواطنات والمواطنين، وتستدعي مضاعفة وتضافر الجهود والإسراع في مباشرة إصلاحها.
 ولعل أهم هذه النواقص تتمثل في انعدام رؤية شمولية موحدة بأهداف واضحة وأولويات محددة، تشكل مرجعا موحدا لكل المتدخلين مع توزيع واضح للأدوار والمسؤوليات بين مختلف الجهات المعنية. ذلك لأن مختلف البرامج المكونة لمنظومة الحماية الاجتماعية، تم تصميمها وتنفيذها على مدى سنوات وبشكل مستقل عن بعضها البعض، الشيء الذي نتج عنه تشتت البرامج التي يتجاوز عددها المئة، وتعدد المتدخلين (أكثر من ثلاثين متدخلا) مع ضعف التنسيق فيما بينهم.
هذا علاوة على بعض الثغرات المرصودة في بعض شبكات الأمان بحيث لا تغطي على النحو المطلوب بعض المخاطر الاجتماعية أو بعض الشرائح السكانية خاصة من بين الفئات الأكثر هشاشة.
هذه النواقص التي تميز برامج الحماية الاجتماعية، تؤثر سلبا على الوقع الفعلي لهذه البرامج على الأوضاع المعيشية للسكان الذين لا تزال فئات منهم تعاني من الكثير من أشكال الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية. وهذا يتجلى في مجموعة من مؤشرات التنمية التي لا تزال، رغم التحسن الملموس المسجل خلال السنوات الأخيرة، دون طموحنا خصوصا في العالم القروي.
وعيا منها بهذه النواقص، وتفعيلا للتوجيهات الملكية السامية التي ضمنها صاحب الجلالة في خطاب العرش يوم 29 يوليو 2018، فإن الحكومة منكبة على إصلاح منظومة الحماية الاجتماعية ككل، وفق رؤية شمولية بأهداف محددة، لجعلها أكثر انسجاما واندماجا، وبالتالي أكثر فعالية ونجاعة، وفي نفس الوقت تعزيزها بهدف تعميم التغطية تدريجيا لتشمل كل المخاطر الاجتماعية وكل الفئات الهشة.
 لقد ورثنا 139 برنامجا اجتماعيا، عدد كبير منها مازالت فاعليته قائمة، لكننا نحتاج الى إعادة النظر في هذا الكم الهائل من البرامج لتحقيق الانسجام بينها في إطار منظومة، وليس عبارة عن برامج منعزلة.  
وبالموازاة مع ذلك، فإننا ننكب على تطوير البرامج الآنية والعمل على تطويرها من خلال تدابير مستعجلة تتخذ في قوانين المالية.  في هذا الصدد، تم الشروع انطلاقا من الموسم الدراسي الحالي في تعميم برنامج تيسير ليشمل كل الجماعات القروية بالنسبة للمستوى الابتدائي، والجماعات الحضرية بالنسبة للمستوى الإعدادي مع مراجعة طريقة الاستهداف لتركيز الجهد على الأسر الفقيرة. ونتيجة لذلك تضاعف عدد المستفيدين ليتجاوز مليوني تلميذ بغلاف مالي يناهز ملياري درهم.
كما تعمل الحكومة جاهدة على توسيع التغطية الصحية تدريجيا وتطمح إلى الوصول إلى نسبة تغطية تناهز90% . وفي هذا الصدد تنكب الحكومة حاليا على تفعيل التغطية الصحية للمستقلين والعمال غير الأجراء.
وبخصوص الإصلاح الشامل لمنظومة الحماية الاجتماعية، فقد تم إطلاق مسلسل تشاوري انخرطت فيه كل القطاعات والمؤسسات المعنية، توج بتنظيم المناظرة الوطنية الأولى للحماية الاجتماعية في نونبر الماضي. وقد مكنت هذه المشاورات، التي تناول خلالها الخبراء مختلف مكونات المنظومة الحالية للحماية الاجتماعية، وفق مقاربة حقوقية وحسب مراحل الحياة، من الوقوف على مواطن قوتها ومكامن ضعفها، واقتراح السبل الكفيلة بإصلاحها وتقويتها لتستجيب بفعالية لاحتياجات المواطنات والمواطنين.
كما كانت هذه المشاورات أيضا فرصة للوقوف عند التحديات والإكراهات الموضوعية التي يطرحها الإصلاح المنشود، المتمثلة أساسا في تعبئة الموارد المالية اللازمة للوقاية والحد من المخاطر الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة باستمرار، في ظل التغيرات التي يعرفها المجتمع على أكثر من صعيد، خصوصا الثقافي والديموغرافي.
ويتم حاليا دراسة التوصيات المنبثقة عن المناظرة واستثمارها لبلورة خطة وطنية لإصلاح الحماية الاجتماعية، وإننا نريد منظومة فاعلة ومندمجة قد تكون جاهزة في غضون أقل من سنة ونصف. 
ولقيادة وتنسيق هذا الورش الوطني المهيكل، تم إحداث لجنة وزارية تحت إشراف رئيس الحكومة وتضم بداخلها لجنة تقنية وأربع لجان فرعية تشرف كل واحدة منها، تحت إشراف القطاع الحكومي المختص، على محور من محاور الإصلاح.
حضرات السيدات والسادة،
في الختام، أتمنى لأشغال هذا اللقاء كل التوفيق والسداد.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
 

النشرة الإخبارية