لمة رئيس الحكومة، السيد سعد الدين العثماني، بمناسبة الاجتماع الحادي عشر للجنة الوطنية لمناخ الأعمال

1_0.jpeg

بسم الله الرحمان الرحيم، 
والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين،
السيدات والسادة الوزراء؛ 
السيد رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب؛
السيد والي بنك المغرب؛
السيد رئيس جامعة غرف التجارة والصناعة والخدمات؛

حضرات السيدات والسادة؛

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،

أود في افتتاح أشغال الاجتماع السنوي للجنة الوطنية المكلفة بمناخ الأعمال أن أرحب بكل أعضاء هذه اللجنة وبالحضور الكريم متمنيا لأعمالنا التوفيق والسداد لما فيه الخير والفلاح لبلادنا، وبالغ الأثر الإيجابي على الاستثمار والمقاولة وعلى كافة المواطنين بإذن الله تعالى.
وكما تعلمون، فإن هذا اللقاء يأتي في ظرفية خاصة تسعى فيها الحكومة إلى بذل كل المجهودات الممكنة للاستئناف السريع لدينامية الإنتاج والأنشطة التجارية، وتجاوز تداعيات جائحة وباء (كوفيد 19) وتحقيق الإقلاع الاقتصادي، بعدما نجحت بلادنا ولله الحمد بفضل الرؤية المتبصرة لصاحب الجلالة نصره الله، في اتخاذ قرارات شجاعة وحكيمة، بشكل استباقي وحاسم في الوقت المناسب، مكنت بلادنا من تجاوز الأسوأ.

كما أن هذا اللقاء هو أيضا مناسبة لتقييم عمل هذه اللجنة التي نحتفل هذه السنة بمرور عشر سنوات على تأسيسها، وهي فرصة أيضا لتجديد التهنئة لكل أعضاءها، كل من موقعه، على المجهودات الكبيرة التي بُذلت من أجل تحسين مناخ الأعمال ببلادنا خلال العشرية السابقة والتي كان لها وقع إيجابي على الحياة اليومية للمقاولة والمواطن على حد سواء، وكذا على صورة بلادنا على المستوى الدولي.
وسيخصص جدول أعمال هذا اللقاء، لتقديم حصيلة نشاط اللجنة الوطنية لمناخ الأعمال برسم سنة 2019 واعتماد برنامج عملها برسم السنة الحالية.
كما سيتم تقديم عروض مقتضبة حول مجموعة من الأوراش المهيكلة ببلادنا والتي تهم تطوير مناخ الأعمال والاستجابة لانتظارات المقاولات وعموم المواطنين، حيث سيقوم السيد وزير العدل بتقديم المخطط التوجيهي للتحول الرقمي للعدالة في حين سيتناول السيد وزير الصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي موضوع التحول الرقمي في الاقتصاد الوطني.

حضرات السيدات والسادة؛
أود أن أؤكد من خلال هذا اللقاء حرص الحكومة على ترسيخ المقاربة التشاورية والتشاركية بين القطاعين العام والخاص، وكذا تكريس الثقة المتبادلة بينهما من أجل تطوير أسس الإنتاج والتنافسية للمقاولة والاقتصاد الوطني وتعزيز جاذبية بلادنا للاستثمارات الأجنبية.
وتشكل اللجنة الوطنية لمناخ الأعمال، في هذا الإطار، آلية من بين آليات التشاور والحوار التي سنعمل على الاستمرار في دعمها من أجل تحديد وتنزيل أولويات الإصلاحات التي تهم تيسير عمل المقاولة الوطنية والرفع من تنافسيتها.    

وقد قامت هذه اللجنة، طيلة العشر سنوات الماضية، بفضل منهجية العمل المعتمدة في تدبير المشاريع، بتنزيل مجموعة من الإصلاحات الهيكلية لصالح المقاولة والقطاع الخاص عبر مراجعة وتعديل عدة نصوص تشريعية وتنظيمية كالقانون الخاص بنظام الضمانات المنقولة والقانون المتعلق بصعوبات المقاولة والقانون المتعلق بشركات المساهمة والشركات ذات المسؤولية المحدودة والإطار التنظيمي الخاص بالصفقات العمومية وآجال الأداء.
كما همت الإصلاحات التي سهرت عليها اللجنة خلال الفترة السالفة الذكر تبسيط ورقمنة العديد من المساطر الإدارية وإحداث مجموعة من الشبابيك الوحيدة لتيسير وتجويد علاقة المقاولة مع الإدارة كالمساطر الخاصة بإنشاء المقاولة وأداء الضرائب والتجارة الخارجية ونقل الملكية والحصول على رخص التعمير.
ولعل من أهم الإصلاحات التي تم إنجازها مؤخرا في إطار أشغال هذه اللجنة والتي تشرفت شخصيا بتتبعها وبإعطاء الانطلاقة الرسمية للعمل بها يوم 2 مارس 2020، تطوير ووضع سجل وطني إلكتروني للضمانات المنقولة، والذي من شأنه المساهمة الفعالة في معالجة إشكالية ولوج المقاولات، لاسيما الصغرى منها والمتوسطة، إلى التمويل وتجاوز بعض الإكراهات المتمثلة في عدم توفر المقاولات على تمويل ذاتي يغطي حاجياتها، أو على ائتمان كاف يؤهلها للحصول على الموارد المالية اللازمة لتأمين دورة الإنتاج. 
وقد مكنت المكاسب التي حققتها بلادنا والمدعومة بالإصلاحات التي بُذلت لتحسين مناخ الأعمال، من تعزيز جاذبية الاقتصاد المغربي كما يتجلى ذلك من خلال ارتفاع حجم تدفق الاستثمارات الأجنبية وكذا تحسين ترتيب المملكة في مختلف التقارير الدولية كتقرير ممارسة الأعمال الذي يصدر كل سنة عن مجموعة البنك الدولي.
وأريد أن أذكر هنا بكل اعتزاز ارتقاء بلادنا هذه السنة إلى المرتبة 53 عالميا من بين 190 دولة شملها تقرير مجموعة البنك الدولي حول ممارسة الأعمال (Doing Business) ، علما بأننا كنا نحتل المرتبة 128 دوليا عند إنشاء اللجنة الوطنية لمناخ الأعمال سنة 2010، وهو تحسن ب 75 مرتبة في ظرف عشر سنوات.
وستستمر اللجنة في عملها من أجل بلوغ دائرة الدول الخمسين الأوائل في مجال جودة مناخ الأعمال في أفق 2021 كما ذكر بذلك جلالة الملك محمد السادس نصره الله في الرسالة التي وجهها إلى المشاركين في الدورة الثانية للمؤتمر الدولي للعدالة بمراكش شهر أكتوبر الماضي.

حضرات السيدات والسادة؛
إن المملكة تمر في الوقت الحالي، وعلى غرار باقي دول العالم، بظرفية صعبة للغاية جراء التداعيات السلبية لجائحة كورونا وتأثيرها الكبير على مجموعة من القطاعات الحيوية وسلاسل الإنتاج ومداخيل العملة الصعبة وعلى مجموعة من المؤشرات الماكرو اقتصادية لبلادنا.
وللخروج من الأزمة الراهنة بأقل الخسائر الممكنة على الاقتصاد الوطني وعلى المقاولة المغربية، فإننا جميعا مدعوون إلى حسن استغلال الفرص التي يمكن أن تتيحها الظرفية الحالية وتكثيف الجهود المبذولة من جميع الأطراف المعنية كل من موقعه ومجال اختصاصه، وذلك في إطار تشاركي والتقائي متسم بالروح الوطنية وتغليب المصلحة العامة.


فقدرة الاقتصاد الوطني على الخروج من الوضعية الحالية وتجاوز الأزمة الظرفية رهين بالتعاون التام والوثيق بين الحكومة ومختلف الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين.
وفي هذا الصدد، فإنه يتعين علينا العمل سويا من أجل بلورة وتنزيل خطة عمل من أجل إنعاش الاقتصاد الوطني واستئناف نشاطه وتعزيز قدراته المستقبلية من خلال استخدام أفضل للطلبيات العمومية، ودعم النسيج المقاولاتي والصناعة الوطنية، وكذا التكيف الأمثل والسريع مع الهيكلة الجديدة لسلاسل القيم العالمية.
كما سنعمل في هذا الإطار على تسريع التحول الرقمي للإدارة المغربية من أجل مواكبة الحاجيات وتحسين وتجويد الخدمات العمومية وتقريبها من المواطن والمقاولة.

حضرات السيدات والسادة 
إن الرهان الأكبر يتجلى اليوم في الانخراط الإيجابي في هذا التوجه والمساهمة فيه من خلال ترصيد المكتسبات واقتراح حلول واقعية لتجاوز التحديات التي تواجه تطوير القطاع الخاص ببلادنا.
لذلك وتطبيقا لتعليمات صاحب الجلالة التي وردت في نص الرسالة الملكية السالفة الذكر، والتي دعا فيها جلالته إلى ضرورة وضع رؤية استراتيجية في مجال تحسين مناخ الأعمال، فإن هذه اللجنة ستعمل هذه السنة على إعداد وتطوير سياسة وطنية مندمجة لتحسين وتجويد مناخ الأعمال وذلك بالاعتماد أساسا على نتائج الاستقصاء الوطني لمعيقات تطوير القطاع الخاص والذي أنجزته اللجنة سنة 2019 بتعاون مع خبراء دوليين. وستمكن هذه السياسة الوطنية من توضيح الرؤى على المستوى المتوسط بما يستجيب لحاجيات المقاولة الوطنية والمستثمرين وعموم المواطنين. كما ستمكن هذه السياسة من تجويد عمل اللجنة، وذلك بالانتقال من برمجة سنوية للإصلاحات إلى برمجة متعددة السنوات. كما ستأخذ هذه السياسة الوطنية بعين الاعتبار الإكراهات الجديدة التي أفرزتها جائحة كورونا.
ومن أجل إنجاح هذا الورش الهام الذي ستنطلق أشغاله في الأيام المقبلة، سيتم إحداث لجنة قيادة تضم مختلف القطاعات والهيئات المعنية عن القطاعين العام والخاص، من بينها الوزارات المكلفة بالاقتصاد والمالية و إصلاح الادارة، والصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي، والداخلية، والعدل، والاتحاد العام لمقاولات المغرب. 
وستتولى هذه اللجنة تتبع إعداد محتوى هذه السياسة الوطنية في أفق اعتمادها متم السنة الحالية. وأود أن أدعو هنا مختلف أعضاء هذه اللجنة الوطنية إلى الانخراط في هذا الورش المهيكل الذي سيمكن من إعطاء دفعة متجددة لعمل اللجنة ولدينامية الإصلاحات المتعلقة بتحسين مناخ الأعمال ببلادنا. كما أدعو كتابة اللجنة إلى السهر على مواصلة تقديم المواكبة والدعم الضروريين لإنجاح هذا الورش والأوراش المستقبلية التي ستنبثق عن هذه السياسة الوطنية لتحسين مناخ الأعمال.

حضرات السيدات والسادة؛
إنني واثق بأن الإصلاحات التي راكمها المغرب خلال العشرية الأخيرة من عمل اللجنة ستمكننا من الانكباب بثقة على هذا الورش قصد مواكبة التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي يعرفها المغرب وتجاوز التحديات التي يعرفها القطاع الخاص وخصوصا في ظل الظرفية العالمية الحالية، وذلك من خلال تحسين الحكامة وترسيخ الشفافية، وتجويد الإطار التشريعي والتنظيمي وملاءمته مع المعايير الدولية، وتطوير الرقمنة، وتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية، حتى يتسنى لبلادنا الرفع من وتيرة النمو وإحداث مناصب الشغل، وتعزيز مكانتها كقطب جاذب للأعمال والاستثمارات.  
وأود التأكيد في الختام على التزامنا الراسخ بضرورة تكثيف الجهود للمزيد من الإصلاحات المهيكلة ذات الأثر الإيجابي على تنافسية المقاولات وتعزيز مكانة المغرب كقطب لجذب المزيد من الاستثمارات، وعلى جودة الخدمات لفائدة المواطنات والمواطنين.
 وفقنا الله جميعا لما فيه خير هذا الوطن تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، وأسدل علينا جميعا نعمة الصحة والعافية والأمن والأمان. 

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
 

النشرة الإخبارية