كلمة رئيس الحكومة، السيد سعد الدين العثماني في الجلسة الافتتاحية للدورة السابعة لمؤتمر رؤساء دول مجموعة دول الساحل الخمس

1_8.jpeg

بسم الله الرحمان الرحيم

فخامة المشير إدريس ديبي ايتنو، رئيس جمهورية تشاد،
فخامة السيد محمد الشيخ ولد الغزواني، رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية،
السيدات والسادة رؤساء الدول والحكومات،
حضرات السيدات والسادة،

لقد أبى صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، إلا أن يستجيب للدعوة الكريمة التي تفضل بها فخامة السيد محمد الشيخ ولد الغزواني، رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية، وفخامة المشير إدريس ديبي ايتنو، رئيس جمهورية تشاد والرئيس الحالي لمجموعة دول الساحل الخمس. 
ويتشرف الذي الوفد تفضل جلالة الملك حفظه الله بتعيينه بتمثيل جلالته في أشغال هذه القمة السابعة لرؤساء دول وحكومات مجموعة دول الساحل الخمس، بتبليغكم تحيات جلالته الأخوية. 
باسم المملكة المغربية، أحيي الجمهورية الإسلامية الموريتانية على نجاح رئاستها لمجموعة دول الساحل الخمس، رغم الصعوبات غير المسبوقة التي اتسمت بها سنة 2020 بفعل جائحة كوفيد 19.  كما أتقدم بالتهاني لجمهورية تشاد على توليها رئاسة المجموعة. 
إذا كانت هذه القمة السابعة لرؤساء دول وحكومات مجموعة دول الساحل الخمس، تعد أول قمة تفتح بشكل رسمي أمام الشركاء، غير أنها ليست أول قمة تشارك فيها المملكة المغربية، وهو في نفس الوقت مبعث للشعور بالفخر وبمسؤولية الترابط التاريخي والوثيق بين المغرب ودول الساحل الشقيقة. 
وكما أكد ذلك صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، منذ سنة 2014 بقوله: "مخطئ من يتوهم أن دولة بمفردها قادرة على حل مشاكل الأمن والاستقرار. فقد أكدت التجارب فشل المقاربات الإقصائية في مواجهة المخاطر الأمنية التي تهدد المنطقة، خاصة في ظل ما يشهده فضاء الساحل والصحراء من تحديات أمنية وتنموية".  
لذلك، فإننا في المملكة المغربية، لسنا مجرد مراقبين لما يجري في منطقة الساحل، ولم نكن أبدا كذلك، بل نرفض التهديدات الأمنية مثلكم تماما، ونتضامن مع أصدقائنا من دول المنطقة لمواجهة الخطر الذي يحدق بها ويهددنا جميعا بشكل مباشر. 
حضرات السيدات والسادة،

إن القمة التي تلتئم اليوم تتزامن مع مضي سبع سنوات على إنشاء مجموعة دول الساحل الخمس، وهي المدة التي أكدت بشكل متواصل صواب هذا الخيار، والذي مكن مما يلي: 

  1. تكريس التملك الذاتي، حيث جعل من التحديات التي تواجه كل عضو في المجموعة، تحديات للجميع، وبالتالي مكن من تنظيم الرد عليها ومواجهتها؛
  2. إحداث وحدة استراتيجية حول أهدافٍ عملياتيةٍ مشتركة، وبالتالي فتح المجال لتحقيق انتصارات تكتيكية هامة؛
  3. تجاوز الحدود الجغرافية لمنطقة الساحل من خلال تحالف دولي واسع ودينامية تعاون فاعلة.

وإذ نجتمع اليوم لإعادة التأكيد على عزمنا التغلب على الإرهاب في الساحل، فإننا نجدد التعبئة للاستمرار في مواجهة هذا العدو المشترك الذي لم يتم بعد القضاء عليه نهائيا. وهو ما يظهر مما يلي:

  1. إذا كانت سنة 2020 قد عرفت تراجعا في عدد الهجمات مقارنة مع سنة 2019، فإنها سجلت بالمقابل بعضا من أخطر الهجمات على الإطلاق؛
  2. كما أنه في بعض الدول تضاعف عدد الضحايا 5 مرات؛
  3. ولا يزال إلى اليوم أكثر من 3,5 مليون شخص في وضعية لاجئ أو نازح داخلي؛
  4. كما أن ما يسمى "بتنظيم الدولة" [داعش]، والذي يحتضر في مناطق أخرى من العالم، لا يزال ينشط في منطقة الساحل، حيث يتحمل مسؤولة ما يناهز 41 في المائة من الهجمات ما بين 2019 و2020؛
  5. وفي الوقت الذي تمكنت فيه مجموعة دول الساحل الخمس من خنق الامتداد الإرهابي في فضاء تدخلها، تحاول مجموعات مسلحة من الاستقرار في مناطق كانت آمنة لحد الآن، وتستمر بالزحف في اتجاه خليج غينيا؛
  6. كما تستمر الحدود بين الإرهاب، والحركات انفصالية، والجريمة المنظمة والعابرة للحدود، في التلاشي أكثر فأكثر. فالارتباطات بينها غدت مثمرة ماديا، بغنائم تعد بمئات الملايين من الدولارات، مما جعلها تتكاثر.

حضرات السيدات والسادة،

ما فتئ جلالة الملك محمد السادس، نصره الله يدعو، منذ 2014: "أمام تزايد التهديدات الأمنية، وخاصة بمنطقة الساحل والصحراء[...] لضرورة التصدي الجماعي للتنظيمات الإرهابية التي تجد في عصابات الانفصال والاتجار في البشر والسلاح والمخدرات، حليفا لها، لتداخل مصالحها، والتي تشكل أكبر تهديد للأمن الإقليمي والدولي."
إن الرد الأول والفوري على الإرهاب هو ذو طابع أمني؛ فالمجموعات الإرهابية المسلحة لا تفقه سوى لغة الحزم.
لذا فإن التعبئة الأمنية لمجموعة دول الساحل الخمس وشركائها يجب أن يتواصل ويتعزز.
وستستمر المملكة المغربية في دعم "معهد الدفاع" لمجموعة دول الساحل الخمس بنواكشوط، وبتكوين الضباط المنتمين لدول الساحل الشقيقة بمعاهد التكوين العسكرية المغربية. 
غير أن النصر المستدام على الإرهاب، لا يتحقق سوى على جبهة التنمية البشرية، حيث تتوقف لغة السلاح، وستستمر محاربة الإرهاب في الميدان السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي والبشري. إن هذه هي المقاربة التي تعتمدها الرؤية بعيدة المدى لجلالة الملك محمد السادس، حفظه الله، حيث يحرص جلالته على أن يتواصل العمل التضامني للمغرب إلى ما بعد هذه الظرفية الطارئة. وتؤكد المملكة المغربية استعدادها لتقاسم خبراتها وتجربتها الوطنية، مع إخوانها من بلدان الساحل، من خلال مبادرات ملموسة. 
وإن محاربة الإرهاب تتم كذلك على ميدان الأفكار. ويحرص صاحب الجلالة، أمير المؤمنين، على أن يواصل المغرب تكوين الأئمة المنحدرين من المنطقة، في معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات. وتجدر الإشارة إلى أن 937 من المسجلين المنحدرين من دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، قد تابعوا أسلاك التكوين بالمعهد برسم سنة 2018-2019، كما تزاول عدة مئات من خريجي المعهد مهامهم ببلدانهم الأصلية، مساهمين بذلك في التصدي للتطرف الديني. 
ومن جهة أخرى، لا يمكننا اليوم أن نصوغ إجابات فاعلة ومتعددة الأبعاد في منطقة الساحل، دون التطرق لمسألة التصحر والتغير المناخي.  وبالفعل، فإن خطر انعدام الأمن الغذائي يُحدِق بأكثر من 12 مليون شخصا في المنطقة، بينما تقدر التأثيرات على القطاع الفلاحي بأكثر من مِلْيارَي دولار في أفق سنة 2030. وفي هذا الإطار، يؤكد المغرب انخراطه في لجنة المناخ لجهة الساحل، التي تم إنشاءها بمناسبة قمة العمل الإفريقية من أجل المناخ، التي التأمت سنة 2016، تحت الرئاسة الفعلية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله. 
وأخيرا، فإن هذه التحديات متعددة، تؤكد أهمية ضمان تمويلات مستدامة لتجمع دول الساحل الخمس، بل والعمل على الرفع منها. وعليه، فإن الوعود التي تم تقديمها خلال مؤتمر تنسيق الشركاء والمانحين لتمويل برنامج الاستثمارات ذات الأولوية في مجموعة دول الساحل الخمس، المنعقد في نواكشوط في دجنبر 2018، يتعين الوفاء بها.  بل إن مجهودا ماليا إضافيا للمجتمع الدولي يبقى ضروريا، لا سيما أن جائحة كوفيد 19 كان لها بالغ الأثر على اقتصادات دول المنطقة وأدت إلى انكماش في ناتجها الداخلي الخام بنسبة 8 إلى 10 %. 

فخامة الرئيس، المشير إدريس ديبي ايتنو،
السيدات والسادة رؤساء الدول والحكومات،
حضرات السيدات والسادة،

إن المغرب -كما أكد على ذلك جلالة الملك محمد السادس أمام قمة الاتحاد الإفريقي الثامنة والعشرين-كان "دائما من السباقين للدفاع عن استقرار القارة الإفريقية." 
ومن خلال المشاركة اليوم في هذه القمة، فإن المملكة المغربية، القوية بروابطها التاريخية مع دول الساحل، والوفية لرسالتها بوصفها فاعلا ملتزما من أجل الأمن والاستقرار بإفريقيا، تجدد التأكيد أمامكم على انخراطها المتضامن إلى جانب دول الساحل الخمس وباقي دول المنطقة، للتصدي سويا للأخطار التي تتهدد مستقبلها ومستقبل المنطقة.

النشرة الإخبارية