كلمة السيد رئيس الحكومة عزيز أخنوش في منتدى دافوس 2023

CG-2-2023-01-18.jpeg

 السيد رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي،
عزيزي كلاوس شواب،
حضرات السيدات والسادة،

إنه لمن دواعي سروري أن أتحدث خلال هذه الجلسة، مع مطلع سنة 2023؛ وأغتنم هذه الفرصة لأوجه إليكم أطيب تمنياتي.
هذه السنة 2023، من واجبنا جماعيا وفرديا أن نتعامل معها باقتناع وتفاؤل.
لقد اهتز عالمنا بأزمات متتالية: جائحة COVID-19، الحرب في أوكرانيا، ارتفاع تكلفة المواد الخام والطاقة، إضافة إلى الاحتباس الحراري.
بالتالي فإن العلاقات بين الدول أصبحت معرضة للتفتت.
وهو الخطر الذي يداهم أيضا مجتمعاتنا، من خلال استمرار عدم المساواة والشعور بالإقصاء لدى شرائح معينة من المواطنين.
إن وتيرة التكنولوجيات الحديثة، وإلى جانب قدرتها على إحداث تحول في معيشنا اليومي، تتسارع وتتطلب منا التكيف: بشكل سريع وحيوي.

حضرات السيدات والسادة،

كقادة سياسيين واقتصاديين، فهذه التغيرات العميقة تسائلنا وتلزمنا في الوقت نفسه.
فعلى الصعيد الفوري، تضعنا أمام الاختبار ليُطرح علينا السؤال: كيف يمكننا معا، تحويل هذه التحديات إلى فرص؟
أما على المدى الطويل، فتأمرنا أن نسأل أنفسنا: ما هو المثل الأعلى للسلام والازدهار الذي يمكن أن نضمنه للأجيال القادمة؟
لأنه يجب علينا تقديم ملاحظتين في وقت واحد:

  • العولمة ليست دائما لها أبعاد إيجابية. بل لا تفي بوعودها دائما.
  • وعلى عكس ما توحي به الأسطورة التي أسست نهاية التاريخ: ما زال يتعين عمل كل شيء! والأمر متروك للمغرب، مثل إفريقيا، لكتابة رسالته الخاصة.

حضرات السيدات والسادة،

في مواجهة جسامة المهمة التي تنتظرنا، فإن المملكة المغربية، تشكل بالنسبة لكم وللعالم، شريكا مثاليا لبناء إجابة تكون في آن واحد اقتصادية وسياسية وبيئية واجتماعية.
وبينما نعيش اليوم في عالم متعدد الأقطاب، أصبحت المملكة تحت القيادة المستنيرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، نموذجا إقليميا.
لقد بنينا مؤسسات حديثة وديمقراطية. ولعل أبرز شاهد على ذلك، دستورنا المعتمد في 2011، أو كذلك إصلاح مدونة الأسرة... وكلاهما إجراءان حداثيان، في خدمة المساواة وحقوق الإنسان.
من جانبها جعلت الجهوية المتقدمة، من الممكن إدخال الديمقراطية التشاركية إلى كل جهات المملكة.
لقد قمنا ببناء البنى التحتية وفقا لأفضل المعايير الدولية، والتي منحت المغرب اتصالا جويا - بريا - بحريا لا مثيل له في المنطقة: 2000 كيلومتر من شبكة الطرق السريعة - أول خط للسكك الحديدية فائق السرعة في إفريقيا - أكبر ميناء في القارة على البحر الأبيض المتوسط - وقريبا أكبر ميناء على المحيط الأطلسي... بالإضافة إلى 14 مطارا دوليا توفر قدرة ربط كبيرة جدا بالقارة الإفريقية.
هذه البنى التحتية مكنت المغرب من التمتع بفلاحة مرنة وذات سيادة، بقطاع سياحي جد جذاب، وصناعات عالية الأداء، مثل السيارات أو صناعة الطيران، اللذين جعلا المملكة  وجهين مرجعيين.
لقد ربطنا علاقات ثقة تؤسس للمغرب كشريك متميز.
هذا هو الحال بشكل خاص في إفريقيا، حيث أجرى جلالة الملك محمد السادس حفظه الله، على مدى السنوات العشرين الماضية، أكثر من 50 زيارة أدت إلى توقيع أكثر من 1000 اتفاقية تعاون.
في مواجهة ردود الفعل الحمائية، رأت النور في أفريقيا منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية ZLECAF ، وهي أكبر منطقة للتجارة الحرة .
وبفضل قوة اتفاقيات التجارة الحرة التي تربطه مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ومن خلال إنشاء ZLECAF ، يتيح الاستثمار في المغرب الولوج إلى سوق يضم ملياري مستهلك.
المغرب بات أيضا رائدا في التنمية المستدامة، التي تشكل التحدي الاقتصادي والبشري لجيلنا الحالي. وبالتالي، فإن الطاقات المتجددة تمثل 38٪ من مزيج الطاقة لدينا، إذ نتطلع لرفعها إلى أكثر من 50٪ بحلول عام 2030.
نحن نعمل من أجل السلام والأمن، في المنطقة والعالم أيضا من خلال المساهمة في حوار الحضارات والمساهمة في التقارب بين الثقافات والأديان والشعوب، التي تتعايش في المغرب معا في سلام تام.

حضرات السيدات والسادة،

إن المغرب، يتوفر على جميع المؤهلات لتحويل تحديات الظرفية مع شركائه إلى فرص.
في ملتقى الطرق بين أوروبا والمحيط الأطلسي وإفريقيا، الإمكانيات الجيوستراتيجية المتميزة للمغرب، تضعه في موقع إيجابي لإعادة تنظيم سلاسل القيمة العالمية.
إن ميزة المغرب التنافسية، فيما يتعلق بالطاقات المتجددة، وهو من بين دول العالم الأكثر وفرة وأقلها تكلفة، ستتوج بتنمية قطاع الهيدروجين الأخضر. وبذلك ستكون المملكة فاعلا رئيسيا في إزالة الكربون من الاقتصاد العالمي.
وفي الوقت الذي نشهد فيه انتقالا تاريخيا، فإنه لمن الضروري أن نقدم للأجيال الصاعدة مثالا جديدا، وميثاقا سياسيا جديدا، يسمح لهم بالتفكير في المستقبل بتفاؤل.
وفي مواجهة هذا المطلب، وبفضل القيادة الملكية الرشيدة، فإن المغرب ينفتح على مرحلة جديدة من التنمية، تتميز ببناء الدولة الاجتماعية.
وخلال سنة واحدة، تمكنت حكومتنا في احترام تام للأجندة الملكية، من وضع الإطار التنظيمي للتأمين الإجباري عن المرض، وضمان الحقوق لثلثي المواطنين الذين لم يستفيدوا منها حتى هذا الحين.
خلال هذه السنة، نطمح أيضا إلى الذهاب أبعد من ذلك، بتعميم الدعم المباشر على شكل تعويضات عائلية، بفضل نظام استهداف فعال للمساعدة الاجتماعية.
بالموازاة مع ذلك، واجهت حكومتنا بحزم الأزمات المتعددة التي تخللت سنة 2022: طاقية مع الارتفاع القياسي في الأسعار العالمية... مناخية مع أسوأ جفاف يسجل منذ 40 عامًا، ونقدية مع عودة التضخم.
في المغرب، اتخذنا في نفس الوقت، تدابير لمرافقة ودعم الميزانية، وكذلك المحافظة على التوازنات الماكرو اقتصادية، والإصلاحات ذات الأولوية.
فقد تمكنت حكومتنا من ضمان التموين، واحتواء التضخم والاستمرار في تقليل العجز الموروث من عام 2020.
وبالأخص، نواصل الاستثمار في المستقبل. بالنسبة للنظام الصحي الوطني فقد أعيدت هندسته بالكامل، وهو نتيجة تلازمية أساسية لورش إصلاح الحماية الاجتماعية.
في 2023، حرصنا على تخصيص ثلث ميزانية الدولة للصحة والتعليم، من بينها 7 مليارات دولار مخصصة للمدرسة. 
مستقبلا، يجب استخدام هذه الموارد المهمة بشكل أفضل، للنهوض بنظامنا التعليمي وتعزيز أدائه. لأن هدفنا هو إعادة بناء الثقة في المدرسة العمومية وتقوية المهارات الأساسية لجميع التلاميذ.
ومن بين ما ساهم في تسهيل كل هذه الإصلاحات الاجتماعية، حدوث تقدم مؤسساتي بارز، لاسيما وأن الحكومة اختارت استئناف حوار اجتماعي حقيقي ومستدام مع المركزيات النقابية، يرتكز على الإنصات والتفاوض والمضي قدما معا في جو من الثقة.

حضرات السيدات والسادة،

في المغرب، ندرك نقاط قوتنا والمكانة التي نرغب في احتلالها.
وعلى هذا الأساس، تبنى المغرب ميثاقا جديدا للاستثمار، يضع إطارا جديدا جذابا ومحفزا يستهدف جميع المستثمرين، سواء المحليين أو الأجانب، ومختلف أنواع الاستثمارات، صغرى كانت أو كبرى.
ويشكل هذا الميثاق أيضا، الدافع وراء الإصلاحات التي همت مؤخرًا تبسيط الإجراءات الضريبية وملائمتها مع أفضل المعايير الدولية، وذلك عبر خفض العبء الضريبي على المقاولات الصغرى والمتوسطة، التي تشكل واحدة من رافعات النمو الاقتصادي في بلادنا.
وعلى الرغم من ذلك، فإننا ندرك تمام الإدراك مختلف التحديات التي يتعين علينا مواجهتها.
ومن بينها، نذكر الحاجة إلى ضمان مستقبل شبابنا، من خلال مضاعفة الفرص أمامهم للولوج لسوق الشغل وتحرير طاقاتهم الإبداعية.
وفي الوقت الذي يتصادم فيه الاقتصاد القديم مع الاقتصاد الجديد، حيث كنا نرغب في دمجهم، كما رأيتم ذلك سيد شواب في كتابكم "الثورة الصناعية الرابعة"، أصبحت قضية الشباب، أكثر من أي وقت مضى، حاسمة بالنسبة لأي مشروع تنموي متماسك وشامل.
وذلك ما يهدف المغرب إلى نشره بحلول عام 2035، من خلال خلق رابط قوي بين ما هو اقتصادي واجتماعي، مع ترسيخ الخيط الأحمر للانتقال البيئي، وهو أمر حتمي الآن بالنسبة لنا جميعا.
في الواقع، إن هذا الطموح يطرح سؤالا جوهريا: كيف نسمح للسوق بتحرير طاقته الإبداعية والقيام بوظيفته الاجتماعية، مع حماية بلداننا من أزمة كبرى جديدة؟
وفي رأيي الخاص، لقد طرحتُ الرهانات ذات الأولوية، لأننا نواجه واجب الحفاظ على الانسيابية حتى لا تتعطل الآلة الاقتصادية، وأيضا التزام اليقظة العالية إزاء المخاطر المرتبطة بالاقتصاد الجديد.
إن الدرس الذي يمكن استخلاصه بشكل جماعي، هو أن العالم لم يعد يحتمل الخضوع للهيمنة، بل للمشاركة.
وهو ما يتماشى مع المشروع المغربي لمجتمع متضامن ومستدام، انسجاما مع رؤية جلالة الملك نصره الله، الذي يدعو إلى إقامة شراكة "على قدم المساواة" مع شركائنا.
وفي الختام، أجدد تأكيد التزامي الكامل، رفقة كافة أعضاء حكومة جلالة الملك، بمرافقتكم خطوة بخطوة في الفعل الاستثماري، من خلال الإصلاحات المتسارعة والتحسين الدائم لظروف الاستثمار، من أجل أن نبني معا مسار خلق قيمة مشتركة.

أشكركم على حسن الانتباه
 

النشرة الإخبارية