كلمة رئيس الحكومة بمناسبة إفتتاح الندوة العلمية الدولية الحادية عشرة التي تنظمها جمعية "أماكن"

1_4.jpeg

باسم الله الرحمن الرحيم 
السيد رئيس الجمعية المغربية لجودة التعليم "أماكن"
السادة الخبراء المشاركون 

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وبعد،

يشرفني أن أفتتح الندوة العلمية الدولية الحادية عشرة التي تنظمها جمعية "أماكن" بالشراكة مع العديد من الهيئات الوطنية والدولية، وبحضور ومشاركة العديد من الخبراء المختصين في مجال التربية والتكوين، وهي مناسبة لأحيي هذه الجمعية على جهودها الدؤوبة في تعميق البحث وتوفير الاستشارة والخبرة وتتبع ورصد التجارب الوطنية والدولية في مجال جودة التربية والتكوين. 
كما أهنئهم على حسن اختيار هذا الموضوع: "مغادرة المدرسة مبكرا: الأسباب والعواقب والسياسات الوقائية"، لأنه يقع في صلب اهتمامات الدول والمنظمات والهيئات المختصة وخاصة في مثل هذه الظروف التي تجتاح العالم بفعل انتشار وباء كوفيد 19 وما خلفه من تداعيات اجتماعية واقتصادية وسياسية. ولم تكن منظومة التربية والتعليم ببعيدة عن ذلك وهو ما رصدته تقارير المنظمات والهيئات المختصة بتقييم وتتبع التطورات والاختلالات التي أحدثتها الجائحة، وعلى رأسها منظمة اليونسكو، مع بذل كل الجهور لإيجاد الحلول الممكنة للتخفيف من هذه الآثار، ومنها اعتماد أنماط تعلم بديلة باعتماد تكنولوجيا الإعلام والاتصال.
كما أشكر اللجنة التنظيمية على دعوتها الكريمة للمشاركة في افتتاح أشغال هذه الندوة الهامة، والتي ستكون مناسبة لإبراز جهود المملكة المغربية في مجال ضمان تمدرس الأطفال والتخفيف من حدة الهدر المدرسي، ومناسبة أيضا لعرض وتبادل التجارب والخبرات الدولية في هذا المجال مما يمكن من تطوير قدرات وخبرات الفاعلين من أجل استثمارها في الرفع من جودة ونجاعة أداء المنظومات التربوية 
السيدات والسادة
لا يخفى عليكم أن التعليم هو السبيل الرئيس لتنمية المجتمعات الإنسانية، والطريقة المثلى لتغيير حياة الناس نحو الأفضل. فقد أكدت منظمة اليونسكو  أن العالم في حاجة ملحة لتبني رؤية إنسانية للتعليم، تقوم على مبادئ حقوق الانسان والكرامة والعدالة الاجتماعية، وتؤكد على أن التعليم "صالح عام" وحق أساسي من حقوق الانسان،  بحيث لا يجوز السماح بحرمان أي كان من التمتع بهذا الحق لأي سبب  من الأسباب ، كما أن العالم اليوم يراهن على "التربية والتعليم" للنجاح في التصدي للتحديات الكبرى التي أصبحت تهدد المجتمعات الإنسانية، وتمس بالخصوص قدرتها على التماسك والإدماج، وينتابها قلق شديد حينما ترى أعدادا غفيرة من  الأطفال في سن التمدرس لم يتمكنوا من الالتحاق بالمدارس، أو الاستمرار في ارتيادها في أماكن عديدة من العالم، متضررين من الصراعات والنزاعات والحروب والآفات والكوارث الطبيعية.  وغيرها، مما يلقي بمزيد من المسؤولية على كاهل الدول والمنظمات الدولية والفاعلين والخبراء ويدفعهم إلى تكثيف التعاون وتعبئة كل الموارد المالية والبيداغوجية لضمان حق التمدرس للجميع.
         وفي هذا السياق كشف تقرير الأمين العام للأمم المتحدة عن سنة 2020 بشأن "التقدم المحرز نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة"، أن ملايين الأطفال والشباب في نهاية 2019 لا يزالون خارج المدرسة، و أن أكثر من نصف أطفال المدارس لا يستوفون معايير الكفاءة الدنيا في القراءة والحساب، كما أن اغلاق المدارس بهدف إبطاء جائحة كوفيد 19 كان له تأثير سلبي على نتائج التعلم وعلى النمو الاجتماعي والسلوكي للأطفال والشباب ذكورا وإناثا. 
وقد نبه التقرير كذلك إلى أن الفجوة الرقمية ستسهم في التقليص من فرص حصول الأطفال والشباب على التعليم على قدم المساواة خاصة في مراحل الإغلاق الاضطراري للمدارس، وخاصة في صفوف الذين يعيشون داخل المجتمعات المحلية الضعيفة والمحرومة في المناطق النائية والدول الهشة ومخيمات اللاجئين.
      وفي هذه السنة التي نستعد لتوديعها، أعلنت "اليونسكو" خلال مارس الماضي، أن نحو أكثر من 850 مليون طفل وشاب، أي ما يقارب نصف عدد الطلاب في العالم، موزّعين في 11 بلداً عبر العالم، قد تضرروا جراء إغلاق المدارس بسبب جائحة كوفيد 19. وعبرت المنظمة الأممية عن تخوفها من تحول هذا الاغلاق المؤقت للمؤسسات التعليمية الى اغلاق دائم، وهو ما دفعها لإطلاق مشروع "تحالف عالمي للتعليم"، لمساعدة الدول على التخفيف من الآثار السلبية للجائحة على هذا القطاع الحيوي والاستراتيجي، ولتعزيز قدراتها على التصدي لمختلف أشكال الإقصاء والتهميش، ولكل صور عدم المساواة والانصاف في مجال التمتع بالحق في التعلم ونتائجه الإيجابية على الارتقاء والتطور الشخصي والاجتماعي للأفراد.
   وهكذا يبقى "ضمان التعليم الجيد والمنصف والشامل للجميع وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع"، كما نص على ذلك الهدف الرابع للتنمية المستدامة موجها لسياسات الحكومات التعليمية عبر العالم، وطموحا تسعى اليونسكو لمؤازرة ومواكبة جميع البلدان لتحقيقه.
       وفي هذا السياق – وانطلاقا من توجيهات جلالة الملك محمد السادس - وضعت المملكة المغربية ضمن أهدافها الكبرى لإصلاح منظومة التربية والتكوين، ضمان تعليم جيد ومنصف وميسر الولوج للجميع، والحيلولة دون مغادرة المتعلمين المقاعد الدراسية قبل إتمام مرحلة التعليم الالزامي، مما يمكن من تحقيق الإنصاف والجوة والترقي الفردي والاجتماعي كما نصت على ذلك الرؤية الاستراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي 2015/ 2030.
و لتحقيق هذه الأهداف أطلقنا سلسلة من المشاريع المهيكلة في إطار رؤية مندمجة، منها: تعميم التعليم الأولي، وتعزيز وتطوير منظومة التكوين المهني، ودعم برامج التعلم الاستدراكي عبر مدارس الفرصة الثانية وبرامج التعلم مدى الحياة، وبرامج التربية الدامجة للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.
وفي هذا الاتجاه، عملنا على إرساء وتطوير منظومة متكاملة للدعم الاجتماعي لفائدة الفئات الهشة والفقيرة بحيث ارتفع عدد المستفيدين من برنامج "تيسير" للدعم المالي المشروط للأسر بحوالي 300 بالمئة منذ سنتين، ليصل عدد التلاميذ ما يناهز مليونين و540 ألف مستفيد بكلفة مالية إجمالية تبلغ مليارين و170 مليون درهم.
وارتفع عدد المستفيدين من النقل المدرسي هذه السنة ب 36.6 في المائة مقارنة مع السنة الماضية، ليزيد على 376 ألف مستفيد، كما ارتفع بصورة مطردة طيلة السنوات الأخيرة عدد المستفيدين من المبادرة الوطنية "مليون محفظة"، وعدد المستفيدين من خدمات الإطعام المدرسي وعدد المستفيدات والمستفيدين من السكن في الداخليات.
 وبفضل هذه الجهود، سجلنا بحمد الله تقدما ملحوظا في مؤشرات محاربة الهدر المدرسي، إذ انتقلنا في السلك الابتدائي من 1.20% خلال موسم 2016/ 2017 إلى نسبة 0.40% في موسم 2019/ 2020.  وفي الثانوي الاعدادي من 10.20% سنة 2016/ 2017 إلى 9.7% سنة 2019/ 2020.

السيدات والسادة
     إن حماية بناتنا وأبنائنا من آفة الانقطاع الدراسي يدعونا كمسؤولين وفاعلين أن نجعل منظومتنا التربوية في صلب اهتمامنا لتكون على الدوام قادرة على التكيف مع احتياجات المجتمع، كما يلزمنا بالاستمرار في بذل الجهود لتوفير الإمكانات الداعمة لضمان حق الناشئة في تعليم جيد بمضامين فعالة ومفيدة.  
          إننا ونحن نبذل هذه الجهود للرفع من مؤشرات جودة منظومتنا التربوية، نضع ذلك في سياق الرفع من مؤشرات التنمية المستدامة ببلادنا وفق منظور شمولي يضع المدرسة في صلب تطوير مشروعنا المجتمعي، ونموذجنا التنموي الذي يرعاه جلالة الملك محمد السادس  نصره الله ،كما يضعها في سياق مشاريع الشراكة والتعاون الدولي التي توليها بلادنا أهمية قصوى  بما تضمنه من انفتاح على التجارب والخبرات في مختلف المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، وبما يمكن من تعزيز مكانة المغرب في محيطه الإقليمي والدولي .

ولا يفوتني في ختام هذه الكلمة، أن أجدد الشكر للقائمين على هذا المؤتمر العلمي التربوي والتنويه بجهودهم، و أغتنم هذه الفرصة لأحيي كل مكونات أسرة التربية والتكوين والبحث العلمي في بلدنا وفي العالم على ما بذلوه ويبذلونه من تضحيات وجهود للرقي بمنظوماتنا التربوية، سائلا الله تعالى أن يمنحهم الطاقة والقدرة للاستمرار في خدمة الناشئة التي تعد رهان مستقبل. وسنكون سعيدين بأن نستفيد من مخرجات وتوصيات هذا المؤتمر التربوي الهام.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 

النشرة الإخبارية