جواب رئيس الحكومة على أسئلة السيدات والسادة النواب المتعلقة بالسؤال المحوري: "التوجهات الاستراتيجية للمنظومة الصحية بناء على الإصلاحات الأخيرة "

رئيس الحكومة، السيد عزيز أخنوش، يحل بمجلس النواب في جلسة عمومية شهرية للإجابة عن الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة (الإثنين 27 نونبر 2023)
رئيس الحكومة، السيد عزيز أخنوش، يحل بمجلس النواب في جلسة عمومية شهرية للإجابة عن الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة (الإثنين 27 نونبر 2023)
رئيس الحكومة، السيد عزيز أخنوش، يحل بمجلس النواب في جلسة عمومية شهرية للإجابة عن الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة (الإثنين 27 نونبر 2023)
رئيس الحكومة، السيد عزيز أخنوش، يحل بمجلس النواب في جلسة عمومية شهرية للإجابة عن الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة (الإثنين 27 نونبر 2023)
المحور :
التوجهات الاستراتيجية للمنظومة الصحية بناء على الإصلاحات الأخيرة
تاريخ الجلسة :
الدورة :
أكتوبر 2023

السيد الرئيس المحترم؛
السيدات والسادة الوزراء المحترمون؛
السيدات والسادة النواب المحترمون؛

في البداية أود أن أشكركم على اختيار المنظومة الصحية موضوعا للمساءلة الشهرية أمام مجلسكم الموقر، وذلك في إطار حرصكم الدائم والمسؤول على تتبع الأوراش الكبرى التي تنفذها الحكومة والهادفة إلى إرساء معالم جديدة لمغرب المستقبل والكرامة وتكافؤ الفرص؛
وكما لا يخفى عليكم، فقد حظيت المنظومة الصحية الوطنية بعناية ملكية واهتمام بالغ لدى جلالة الملك محمد السادس نصره الله؛
حيث دعا جلالته غير ما مرة إلى ضرورة تبني سياسات عمومية فعالة وناجعة، وإرساء منظومة صحية تستجيب لتطلعات المواطنين، وتأخذ بعين الاعتبار الدروس المستخلصة من الأزمة الصحية التي عاشتها بلادنا على غرار باقي دول العالم؛
فقد تجسد هذا العطف المولوي في الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 21 لعيد العرش المجيد حين قال جلالته في منطوقه السامي إن "...العناية التي أعطيها للمواطن المغربي، وسلامة عائلته، هي نفسها التي أخص بها أبنائي وأسرتي الصغيرة . . . . . " ( انتهى كلام جلالة الملك ). 
ليعود جلالته بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من الولاية البرلمانية الحالية في 8 أكتوبر 2021 للتذكير " . . . بعودة قضايا السيادة للواجهة، والتسابق من أجل تحصينها، في مختلف أبعادها الصحية والطاقية والصناعية والغذائية وغيرها . . . . " ( انتهى كلام جلالة الملك ).
ومن هذا المنطلق، فإن الحكومة التي أتشرف بقيادتها تعي جيدا الأولوية الوطنية التي يحظى بها هذا القطاع الاستراتيجي عند عموم المواطنين المغاربة، وما يتيحه ذلك من تعزيز لمعالم الدولة الاجتماعية، كما يريدها جلالة الملك لأبناء شعبه الوفي، حفظا لكرامتهم وصونا لحقوقهم الإنسانية والدستورية؛
ولأننا ندرك بشكل لا يقبل الانتظار، أن نجاح ورش تعميم الحماية الاجتماعية متوقف على ضرورة إصلاح عميق وجذري للمنظومة الصحية، الشيء الذي سيمكن من تقديم خدمة عمومية صحية تستجيب لتطلعات المغاربة وانتظاراتهم؛

حضرات السيدات والسادة

بالرغم من كل المحاولات الإصلاحية التي عرفها القطاع في السنوات السابقة والتي لم تبلغ في مجملها منتهى غاياتها، ومن باب المسؤولية السياسية والأخلاقية التي تربطنا بالمواطنات والمواطنين، كان من الضروري تجاوز منطق الإصلاحات الجزئية، في اتجاه إحداث ثورة حقيقية برؤية واضحة تمكن بلادنا من منظومة صحية عادلة، تضمن المساواة وتكافؤ الفرص في الولوج للمرفق الصحي، وتضمن الاستفادة من خدمة عمومية لائقة؛
فالحكومة منذ تنصيبها أخذت على عاتقها إعداد تصور شمولي متكامل لخلق منظومة صحية وطنية، غايتها بلورة عرض صحي لفائدة المواطنين يليق بكرامتهم ويستجيب لتطلعاتهم، وفق منظور إصلاحي يقوم على 4 مرتكزات تهم بالأساس :

  • أولا: اعتماد حكامة ناجعة للقطاع؛
  • ثانيا: تثمين العنصر البشري؛
  • ثالثا: تأهيل البنية التحتية الصحية على المستوى الترابي؛ 
  • ثم رابعا: رقمنة المنظومة الصحية الوطنية.

ولأن إصلاح المنظومة الصحية لا يحتمل التأخير أو التسويف، بادرنا إلى اتخاذ جملة من الإجراءات والتدابير؛
ولابد هنا، أن نقدم، باسم كافة مكونات الحكومة، الشكر والامتنان لكل المتدخلين مركزيا وترابيا على المجهودات التي بذلوها، وعلى التعبئة الاستثنائية لكل الفرقاء الاجتماعيين الذين ساهموا إلى جانب الحكومة في إطلاق الإصلاحات الجوهرية التي يعيشها القطاع، وهو تجسيد للغيرة الوطنية التي تجمعنا خدمة للمواطنات والمواطنين وتحقيقا للمصلحة العامة؛
وسيسجل التاريخ بكثير من الاعتزاز، أن الحكومة تدبر تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، أكبر مشروع وطني اجتماعي لفائدة الأسر المغربية منذ استقلال المملكة، وأحد أهم التحولات السياسية والاجتماعية في تاريخ المغرب الحديث.

حضرات السيدات والسادة؛

يمكنني وبكل افتخار أن أقول لكم إن بلادنا تمكنت بحمد الله وتوفيقه، وبفضل التوجيهات الملكية السامية، من بلوغ نتائج جد متقدمة في تنزيل ورش إصلاح المنظومة الصحية، الشيء الذي سيمكن من تيسير الولوج للخدمات الصحية وتحسين جودتها، بشكل عادل ومنصف يضمن تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية؛
وهذا لن يزيدنا إلا إصرارا وحرصا على مواصلة تأهيل القطاع الصحي تكريسا لركائز الدولة الاجتماعية، وللتمكن من تحقيق العدالة المجالية في الولوج للخدمات الصحية والاستشفائية لجميع المواطنين قبل نهاية الولاية الحكومية؛
وأغتنم مناسبة المرور أمام مجلسكم الموقر لأتقاسم معكم، ومع المواطنات والمواطنين، حجم التقدير والاحترام الذي ينتابنا في الحكومة اتجاه مكونات البرلمان أغلبية ومعارضة، وما أبنتم عنه من وطنية صادقة، ومسؤولية عميقة لبلوغ الأهداف والالتزامات المتعاقد بشأنها؛
فبفضل التوافق البناء والإجماع الوطني حول أولوية القطاع الصحي في شموليته، تمكنا ولله الحمد من المصادقة في ظرف سنة واحدة، على الترسانة القانونية المؤطرة للتحولات الكبرى والإصلاح العميق الذي يجدر أن تعرفه المنظومة الصحية ببلادنا؛

ليتوج هذا المسار التشريعي المتميز بإصدار قانون رقم 07.22 المتعلق بإحداث الهيئة العليا للصحة، التي تعد مكسبا مهما ونقطة تحول جوهرية، إذ نعتبر أن الإشكالات التي كان يتخبط فيها القطاع لا ترتبط بنقص الموارد المالية والبشرية فحسب، وإنما بتراكمات نواقص الحكامة الجيدة في تدبير القطاع على امتداد عقود، وبالتالي فإن هذه الهيئة تعد من المعالم المؤسساتية التي ستقوم بدور محوري في دعامة إصلاح المنظومة الصحية الوطنية؛
ولا شك أن إحداث هذه الهيئة سيشكل تجربة رائدة وواعدة ببلادنا، ينتظر منها المساهمة في تجويد المنظومة الصحية ببلادنا، عبر التأطير التقني للتأمين الإجباري الأساسي عن المرض، وتقييم جودة الخدمات التي تقدمها المؤسسات الصحية سواء بالقطاع الخاص أو العام، بالإضافة إلى تتبع المعطيات الوبائية وتحليلها وتقييمها، وتقييم البرامج المتعلقة بمحاربة الأمراض، وإجراء الدراسات والأبحاث، واقتراح المشاريع والقوانين المتعلقة بالصحة.

حضرات السيدات والسادة؛

إن القوانين الست (6) التي دخلت حيز التنفيذ تجسد بشكل ملموس الإصلاح الجذري والعميق للمنظومة الصحية الوطنية، وتضع قطيعة مع التدبير السابق لهذه المنظومة وما كانت تتسم به من محدودية الجدوى وتعدد مظاهر النقص.
وبذلك نكون أمام تصور جديد ومتكامل ومندمج لتأهيل المنظومة الصحية، يبلور التوجيهات الملكية السامية ويترجم التزامات الحكومة المسطرة في البرنامج الحكومي 2021 – 2026.

حيث نتوخى من خلالها تدبير الزمن التنموي بأقصى سرعة ممكنة، حتى نكون في خدمة المواطنين، بالتخفيف من تكلفة العلاج التي تثقل كاهل الأسر المغربية، خصوصا الأسر التي تشمل الأشخاص الذين يعانون من الأمراض المزمنة أو الفئات الهشة وكبار السن.
وحرصا منا على احترام الأجندة التي حددها صاحب الجلالة، في زمن قياسي استطاعت الحكومة بكل مكوناتها تعميم ورش التغطية الصحية على جميع المغاربة بالرغم من صعوبة الظرفية الوطنية والدولية.
فكان لابد من المضي قدما نحو إرساء نموذج للرعاية الصحية يليق بالمغاربة دون تمييز وعلى أساس المساواة في تلقي الخدمات الصحية، وإحداث ثورة اجتماعية أساسها التضامن والتكافل وتوفير الحماية اللازمة لكافة المواطنات والمواطنين.
وبالموازاة، فمنذ تنصيب الحكومة، وإدراكا منا لحجم الإكراهات والتحديات، وضرورة مباشرة الإصلاحات الكبرى في ظل استمرارية خدمات المرفق العام، اتخذنا قرارا بضرورة تعبئة كل الموارد المالية الممكنة للتنزيل الناجع للمنظومة الصحية الوطنية كما التزمنا بها مع المغاربة.
حيث ستبلغ الميزانية الإجمالية المخصصة لقطاع الصحة والحماية الاجتماعية برسم السنة المالية 2024، ما يناهز 30 مليار و949 مليون درهم، بزيادة إجمالية تقدر ب 55 % مقارنة مع ميزانية سنة 2021.
الشيء الذي سيمكن من مواصلة تنزيل الأوراش الهيكلية التي باشرناها في الحكومة بالنجاعة والفعالية المطلوبة، بما يضمن تعزيز السيادة الوطنية والأمن الاستراتيجي للمملكة في المجالات ذات الأولوية، وعلى رأسها السيادة الصحية. 

حضرات السيدات والسادة؛

لقد كنا ندرك تمام الإدراك، أن بلوغ خدمة صحية تليق بالمغاربة، يحتاج إلى مراجعة شاملة وهيكلية للقطاع، بشكل لا يسمح بالتماطل أو التأخير، وبالعزيمة والإصرار التي أخذناها على عاتقنا، فقد تمكنا في ظرف وجيز من تحقيق عدد مهم من المكتسبات والرهانات التي التزمت بها الحكومة.
ولأجل ذلك، بادرنا إلى تنزيل جملة من الإجراءات والتدابير، التي نعتبرها أولوية ومستعجلة لمباشرة تأهيل القطاع الصحي، من خلال إطلاق برنامج خاص للمراكز الاستشفائية الجامعية، وبلورة خطة عمل مهيكلة لتأهيل بنيات هذه المراكز وتطوير معداتها وتجهيزاتها، حيث استفادت من هذه العملية خمس مراكز استشفائية جامعية بكل من فاس والدار البيضاء والرباط ومراكش ووجدة.
إضافة إلى تقدم ملموس للأشغال بأربع 4 مراكز استشفائية جامعية في طور الإنجاز بكل من أكادير والراشيدية والعيون وكلميم، وإعادة بناء مستشفى ابن سينا في الرباط، مما سيوفر طاقة سريرية إضافية تقدر ب 2844 سرير.
كما نجحت الحكومة في تقريب الخدمات الصحية من المواطنين وضمان جودتها، وذلك بعد تأهيل أكثر من 390 مركزا صحيا للقرب، على أن نصل إلى أكثر من 830 مركز مؤهل بحلول الشهر القادم، أي ما يشكل نسبة إنجاز تتجاوز 59% من الهدف المحدد في 1400 مركز صحي من الجيل الجديد، في حين سيكون 430 مركزا إضافيا جاهزا في غضون الربع الأول من السنة القادمة.
وسيتم العمل على تجهيز هذه المراكز بالمعدات الضرورية، وتمكينها من الموارد البشرية اللازمة، مع تخصيص ميزانية سنوية لهذا الغرض تقدر ب 800 مليون درهم.
مع العلم أن غالبية هذه المراكز توجد في العالم القروي والمناطق النائية، ضمانا للمساواة بين جميع المواطنين وتحقيقا للعدالة المجالية والاجتماعية في استفادة جميع الأسر المغربية من المرافق العمومية الأساسية.
وحرصا من جلالة الملك على ضرورة استفادة المواطنين خصوصا في العالم القروي، من الإصلاحات التي باشرتها المملكة ترسيخا لدعائم الدولة الاجتماعية، أشرف جلالته على إطلاق برنامج الوحدات الصحية المتنقلة لفائدة العالم القروي، والتي تعد ثمرة مجهود جماعي بين الدولة وبعض المؤسسات في القطاع العام والخاص.
حيث تهدف هذه الاتفاقية إلى التخفيف من بعد الخدمات الطبية وتحسين جودة الولوج للعلاج بالعالم القروي، من خلال نشر وحدات طبية مجهزة عن بعد في المناطق التي يصعب الولوج إليها، وقد تم نشر 50 وحدة صحية مجهزة بتقنيات الاتصال عن بعد، واعتماد 40 إقليما في المرحلة الأولى بمختلف جهات المملكة للاستفادة من هذا البرنامج.
وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة خصصت برسم هذه السنة، ميزانية إجمالية قدرها 1.3 مليار درهم لتأهيل العرض الصحي بالمناطق المتضررة من الزلزال الذي ضرب بلادنا، وذلك لبناء وتطوير مجموعة من المستشفيات والمراكز الطبية التي ستمكن من توفير 665 سريرا استشفائيا.


حضرات السيدات والسادة؛ 

إن الرؤية التي تحملها الحكومة للقطاع الصحي لا تقف عند تأهيل البنية التحتية فحسب، بل إن المنظور الشمولي يُلزمنا باستعجال النظر في العنصر البشري باعتباره أهم المرتكزات الأساسية في إصلاح المنظومة الصحية.
فالحكومة حرصت منذ تنصيبها على تحسين الأوضاع المهنية والاجتماعية لمهنيي الصحة وخلق تحفيزات لصالحهم، بهدف مواكبة تأهيل المنظومة الصحية الوطنية.
فمباشرة بعد تنصيبها، قامت الحكومة بتوقيع اتفاق مع جميع النقابات الممثلة في قطاع الصحة، بعد سلسلة من جلسات الحوار الاجتماعي القطاعي حول عدد من الملفات المطلبية ذات الأولوية.
وقد شكل إحداث قانون الوظيفة الصحية أولوية ملحة في سبيل تعزيز التكامل بين القطاعين العام والخاص، وتثمين الموارد البشرية العاملة بالقطاع العام وتأهيلها وتحفيزها وتحسين أوضاعها المهنية، مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية القطاع الصحي ببلادنا.
وحتى يستجيب هذا القانون لمتطلبات المرحلة، عملنا على خلق جسور التواصل والتوافق مع مختلف الفاعلين والاطلاع على تصوراتهم واقتراحاتهم للإصلاح، حيث توصلنا إلى نص يلبي مختلف النقط المطروحة ويستجيب لانتظارات وتطلعات مختلف الفئات العاملة بالقطاع، خصوصا ما يتعلق بتقوية ضمانات الحماية القانونية وإمكانية ممارسة بعض المهام في القطاع الخاص، وضمان حركية واسعة النطاق لمهنيي الصحة.
وفي نفس السياق، يأتي البرنامج الحكومي للرفع من عدد مهنيي الصحة، تجسيدا للعناية المولوية التي يوليها صاحب الجلالة للعنصر البشري داخل القطاع، ولما له من دور محوري في نجاح مشروع الدولة الاجتماعية؛
وهكذا فقد أشرفنا على توقيع الاتفاقية الإطار للرفع من عدد الموارد البشرية العاملة بالقطاع، وإصلاح نظام التكوين والتكوين المستمر، وذلك بهدف تقليص العجز الحاصل في عدد الأطر الطبية ومهنيي الصحة؛
ونستهدف من خلال ذلك الرفع بصفة تدريجية من أعداد العاملين إلى أكثر من 90.000 بحلول سنة 2025، غايتنا بذلك تجاوز عتبة 24 من مهني للصحة لكل 10.000 نسمة (الموصى بها من لدن منظمة الصحة العالمية)، في أفق رفعها إلى 45 مهنيا بحلول سنة 2030؛
كما سيتم إحداث 5.500 منصب مالي جديد برسم قانون المالية لسنة 2024 وذلك بغرض مواكبة وزارة الصحة والحماية الاجتماعية وتلبية احتياجاتها من الموارد البشرية لا سيما الأطر الطبية والشبه الطبية، وبذلك تكون الحكومة منذ تنصيبها قد أحدثت ما مجموعه 16.500 منصب مالي بقطاع الصحة والحماية الاجتماعية.
كما تحرص الحكومة على مواكبة هذه الأهداف الرقمية بالرفع من العرض التكويني، عبر إحداث ثلاث كليات للطب والصيدلة، وثلاثة مراكز استشفائية جامعية بكل من الرشيدية وبني ملال وكلميم؛
ومن جهة ثانية، نجحت الحكومة في الرفع من الطاقة الاستيعابية للمعاهد العليا للمهن التمريضية وتقنيات الصحة من 4000 مقعد برسم الموسم الدراسي الماضي إلى 6200 مقعد برسم الموسم الحالي؛
كما تم الرفع من الطاقة الاستيعابية لمعاهد التكوين المهني في مهن الصحة، من 680 مقعد برسم الموسم الدراسي الماضي إلى 770 مقعد برسم الموسم الدراسي الحالي؛
فضلا عن إحداث واعتماد تخصصات جديدة في سلك الماستر بالمعاهد العليا للمهن التمريضية وتقنيات الصحة.

حضرات السيدات والسادة؛

في إطار ضبط مسارات العلاج وضمان عرض صحي عادل ومنصف يشمل التراب الوطني وترشيدا للموارد البشرية والتقنية، يشكل إحداث المجموعات الصحية الترابية إحدى الدعامات المركزية لتفعيل القانون الإطار 06.22 المتعلق بالمنظومة الصحية الوطنية، وآلية أساسية لتجاوز مختلف الإكراهات التي تعرفها مستويات العلاج على الصعيد الترابي؛
وستمكن هذه المجموعات الصحية من لعب دور محوري في التنسيق الأمثل للعرض العمومي من حيث العلاجات على المستوى الترابي، وضبط مؤهلات الجهات في البنية التحتية الاستشفائية المتوفرة في القطاع العام والخاص، بالإضافة إلى تحديد حجم الخصاص وأولويات الاستثمار في مجال الصحة والحماية الاجتماعية على صعيد كل جهة؛
ويُنتظر من المجموعات الصحية الترابية ضمان سلاسة التدخلات العلاجية وضبط مسارات العلاج، وهذا من شأنه التخفيف من نسب الضغط التي تعرفها أقسام المستعجلات في المستشفيات الجامعية وما له من تأثير على شروط وظروف استقبال المرتفقين في هاته المؤسسات؛
وإعدادا لمقومات التجاوب مع هذه الإشكالية، ستعمل الحكومة على إرساء نظام تكويني جديد لفائدة الطلبة الجدد في الطب، حيث سيتم تأهيلهم في "طب الأسرة" من خلال برنامج بيداغوجي خاص، كما ستتكفل الحكومة بتأهيل كل الأطباء العامين بالقطاعين الخاص والعام في طب الأسرة، عبر برنامج تكويني وطني، وذلك ايمانا منها بضرورة المساهمة في تأهيل مهنيي الصحة، تماشيا مع حاجيات المنظومة الصحية التي نطمح لها جميعا.
فبفضل دوره الحيوي في توجيه الرعاية الصحية، يساهم "طب الأسرة" في تحسين جودتها بما يعزز صحة الأفراد والمجتمعات. فهو يرتكز على تقديم رعاية شاملة ومستدامة لأفراد الأسرة من مختلف الفئات العمرية والخلفيات الاجتماعية والثقافية. حيث يعمل الأطباء في مجال طب الأسرة على بناء علاقات طبية مستدامة مع المرضى، ويتبنون نهجا شاملا للوقاية من الأمراض وإدارة الحالات المزمنة، مما يساهم في تقليل التكلفة الصحية وتحسين نتائج العلاجات. 
ولأننا ندرك أن تعميم التأمين الإجباري عن المرض لجميع المغاربة سيشكل ضغطا على المنظومة الصحية الوطنية، كان من الضروري تبني سياسة استباقية نموذجية لرقمنة القطاع، هدفها تجويد مسارات العلاج وتحسين استعمال الإمكانيات المتوفرة بشكل يضمن نجاعة التدخلات وخفض كلفتها؛
حيث مكنت الإجراءات الحكومية المتخذة في هذا الصدد من تطوير وتنزيل النظام المعلوماتي الاستشفائي المندمج، على مستوى جميع المستشفيات العمومية بجميع جهات المملكة، مع مواصلة العمل على مشروع تشغيل منصات للربط بين الأنظمة المعلوماتية والمستشفيات التابعة للوزارة مع قاعدة بيانات وطنية.
وستواصل الحكومة خلال سنة 2024 استكمال تنزيل مكونات هذا الورش من خلال تعميم النظام المعلوماتي الاستشفائي المندمج على مستوى جميع الجهات، وتنزيل النظام المعلوماتي الخاص بمؤسسات الرعاية الصحية الأولية بجميع الجهات، وصولا لتفعيل العمل بالملف الطبي المشترك.

حضرات السيدات والسادة؛

في سياق الرؤية المولوية السديدة لتقوية السيادة الصحية كأساس للأمن الاستراتيجي للمملكة، وتنفيذا للإرادة الملكية الداعية إلى تعزيز الأمن الدوائي وتمكين المواطنين من الولوج للأدوية والمستلزمات الطبية ذات جودة وبأثمنة مقبولة، سنعمل على إحداث الوكالة المغربية للأدوية والمنتجات الصحية، بموجب القانون رقم 10.22 وتمتيعها بالاختصاصات اللازمة وتمكينها من الآليات الضرورية لمواكبة التطورات المتسارعة التي يعرفها هذا المجال؛
وتسير بلادنا اليوم، على الطريق الصحيح لتحقيق السيادة الدوائية الوطنية، بالشكل الذي سيمكننا من تقليص حجم استيراد الأدوية من الخارج، والاعتماد على قدراتنا الذاتية في إنتاج الدواء والمستلزمات الطبية. فالمملكة قادرة على تأمين المخزون الاستراتيجي الوطني من الأدوية والمنتجات الصحية، من خلال تلبية 70 % من احتياجات السوق الوطنية من الأدوية واللقاحات؛
هذا في الوقت الذي نلتزم فيه بدعم كل المشاريع الاستثمارية التي تسير في هذا الاتجاه، كما هو الحال بالنسبة لأول مصنع ذكي للأدوية الجَنيسة في القارة الأفريقية، والذي سبق أن أعطِيَ انطلاق العمل به بإقليم النواصر خلال السنة الجارية.

السيد الرئيس؛
السيدات والسادة النواب المحترمون؛

بالموازاة مع المجهودات المبذولة لتعزيز العرض الصحي ببلادنا نواصل تنزيل مجموعة من البرامج الوقائية لمحاربة الأمراض، حيث تمكنت الحكومة خلال هذه السنة من تحقيق عدد من المكتسبات في مجال صحة الأم والطفل لا سيما من خلال التزويد المجاني للقاحات الخاصة بحماية الأطفال والرضّع والنساء في سن الإنجاب؛
ويجدر هنا التذكير، بأهمية الدور الذي ستلعبه منحة الولادة بمناسبة الولادتين الأولى والثانية، في حماية صحة الأمهات والأطفال حديثي الولادة داخل الأسر في وضعية هشاشة.
كما قمنا باستهداف الفئات الاجتماعية ذات الاحتياجات الخاصة، وعملنا على تقديم أزيد من 500.000 خدمة صحية للساكنة المستهدفة من عملية رعاية، عبر إنجاز حوالي 4.000 زيارة للوحدات الطبية المتنقلة وتنظيم أزيد من 200 حملة طبية مصغرة متخصصة، بالإضافة إلى التكفل بأزيد من 29.000 حالة للنساء ضحايا العنف، وتنظيم الحملة الوطنية السنوية للكشف والتكفل بالمشاكل الصحية لفائدة أزيد من 1,5 مليون من الأطفال والمراهقين والشباب بالوسط المدرسي والجامعي بما فيهم ذوي الإعاقة؛
وفيما يرتبط بوضعية الأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة، فقد بادرنا إلى التكفل بأكثر من مليون مريض بداء السكري في كل مؤسسات الرعاية الصحية الأولية، وكذا اقتناء الأجهزة الإلكترونية للكشف والتشخيص ومراقبة مرضى ارتفاع الضغط الدموي بمؤسسات الرعاية الصحية الأولية، ثم التكفل بحوالي 200.000 مريض بمراكز علاج السرطان؛
بالإضافة إلى مواصلة التحكم في الأمراض المتنقلة من خلال خفض 50 % من الحالات الجديدة المتعلقة بفيروس نقص المناعة البشرية، وتشغيل 5 مراكز إحالة جديدة لرعاية المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية بكل من تطوان والداخلة وتزنيت وخنيفرة والصويرة، إلى جانب الحفاظ على نسبة النجاح العلاجي لجميع أشكال السل ب % 90، مع زيادة نسبة النجاح العلاجي للسل المقاوم للأدوية من % 57 إلى %63 .
حضرات السيدات والسادة؛
من حقنا جميعا، أن نكون فخورين ومعتزين بما تحقق في مجال تعميم الحماية الاجتماعية خلال سنة 2023، فأكثر من 10,5 مليون شخص من الأسر الهشة والمعوزة تتحمل الدولة اشتراكهم في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بما يعادل 9,5 مليار درهم، أصبح بمقدورهم الولوج إلى العلاج بالمستشفيات العمومية والخاصة، والاستفادة من استرداد نفقات الدواء.
وقد تم لحدود اليوم، معالجة وأداء 3,7 مليون ملف علاج خاص بالمستفيدين منAMO – TADAMONE، بغلاف إجمالي يتجاوز 2,38 مليار درهم، بتعويض متوسط يقارب 630 درهم لكل ملف مرضي، أي بمعدل تحمل يتجاوز 2000 درهم لكل شخص مستفيد.
وهي نفقات كانت تثقل كاهل الأسر المغربية الفقيرة والهشة التي لم يكن باستطاعتها تأمين وصول أفرادها إلى العلاج بشكل يضمن كرامتها واستقرارها الاجتماعي والاقتصادي.
وكما كنا دائما متسلحين بالجدية والمسؤولية، أطلقنا برنامج الدعم الاجتماعي المباشر وفق رؤية مندمجة تقوم على تحسين استهداف الفئات الاجتماعية المستحقة للدعم، وتعبئة كل الموارد اللازمة لبلوغ أهداف تدعيم الدولة الاجتماعية، وفي احترام تام للأجندة التي سطرها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده؛
وقد سبق أن قلت أمام مجلسكم الموقر، أن هذه العملية ستنطلق نهاية شهر دجنبر المقبل، وستهم على الخصوص الدعم المباشر للأسر التي لها أبناء (7 مليون طفل في سن التمدرس)، وتعميم التعويضات العائلية لفائدة الأطفال في وضعية إعاقة، والدعم للأسر التي ليس لها أبناء والتي تُعيل أشخاصا مسنين، بالإضافة إلى منحة الولادة بمناسبة الولادتين الأولى والثانية؛

السيد الرئيس المحترم؛
حضرات السيدات والسادة النواب المحترمون؛

إن المنجزات التي تشهدها بلادنا اليوم، تشكل بحق، تحولات تاريخية ستنقلنا إلى مصاف الدول الرائدة في مجال العدالة الاجتماعية الحقيقية، التي تجعل من العنصر البشري محور مشروعها المجتمعي؛
فالمقاصد النبيلة التي يبتغي صاحب الجلالة الملك محمد السادس، بلوغها في الميدان الاجتماعي لتجسيد عطفه السامي على أفراد شعبه الوفي، يجعلنا أمام مسؤولية تاريخية جسيمة لا يمكننا التهاون فيها ولا التخلي عن أسس بنائها؛
ومن هذا المنطلق، فالحكومة التي نالت ثقة المغاربة لن تدّخر جهدا في سبيل بلوغ هذه الغاية كما يريدها أمير المؤمنين لرعاياه الأوفياء، آخذين على عاتقنا مسار تكريس الدولة الاجتماعية في شموليته، وكلنا عزم على بلوغ الأهداف المسطرة لهذا البرنامج الثوري قبل نهاية ولايتنا الحكومية؛
ولي كامل اليقين بأن تعاونكم وانخراطكم إلى جانبنا، سيساهم بكل تأكيد في تطوير أبعاد التماسك الاجتماعي وتحقيق الإنصاف وتكافؤ الفرص، وتمكين الأسر المغربية من مستويات العيش الكريم وضمان الكرامة والمستقبل لأبنائها، وخلق مجتمع قادر على مواجهة التحديات والإكراهات العالمية المتجددة.


والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

النشرة الإخبارية